*روسيا وأوكرانيا.. رب ضارة نافعة*

*روسيا وأوكرانيا.. رب ضارة نافعة*

  • *روسيا وأوكرانيا.. رب ضارة نافعة*

اخرى قبل 2 سنة

*روسيا وأوكرانيا.. رب ضارة نافعة*

بقلم: عبدالله الأيوبي-

كثيرة هي تلك الحكم والأمثال العربية الخالدة التي يمكن استحضارها والاستفادة من معانيها عمليا على أرض الواقع، وخاصة في الظروف الحالية، حيث يمر العالم بواحدة من أخطر الاختبارات التي يواجهها بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادةا لاتحاد السوفيتي السابق والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أعني ترجمة هذه الحكم والأمثال من جانبنا نحن العرب بالدرجة الأولى، ليس لكون هذه الحكم والأمثال خرجت من رحم أرضنا العربية، وإنما كون هذه الأرض هي الآن، وفي هذه الظروف مهيأة أكثر من غيرها من بقع العالم، للعمل على ترجمتها والاستفادة منها، وخاصة أن أحد الأطراف الفاعلين والمشاركين في هذا الاختبار الخطير، معني بصورة مباشرة بذلك، وأعني به الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.

من بين هذه الأمثال والحكم التي نجد إمكانية لها مكانا في الظروف الحالية، تلك التي تقول «رب ضارة نافعة» أو «مصائب قوم عند قوم فوائد»، أو كما يقول أحد الشعراء العرب «إن من السموم الناقعات دواء»، كل هذه الأمثال أو الحكم تعني أن بعض الأحداث الخطيرة والمضرة بالغير، من الممكن أن تكون مفيدة لغيرهم، أو يمكن تسخيرها واستغلالها للاستفادة منها، هذا هو بالضبط ما ينطبق على الوضع الحاصل الآن بين روسيا من جهة والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، بعد قرار القيادة الروسية تنفيذ عملية عسكرية خاصة وذات أهداف محددة داخل الأراضي الأوكرانية، بحسب إعلان القيادة في موسكو.

بمجرد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا سارعت جميع الدول الأوروبية خلف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الرأسماليين الكبار في العالم، مثل كندا واليابان وأستراليا، إلى جانب الأوربيين، بإعلان حرب اقتصادية وإعلامية ورياضية وفنية شاملة ضد روسيا، يمكن تسميتها بالحرب العالمية غير النارية، فاستحضرت هذه الدول القانون الدولي وأهمية احترامه والتقيد بما ينص عليه وما يقرره للعلاقات بين الدول، كما تذكر هذا التحالف الرأسمالي أيضا، هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، باعتبارها المرجعيات الدولية التي يجب أن تكون لها الكلمة الفصل في الأحداث العالمية، وسيسوا الرياضة التي طالما تشدقوا، زيفا، بعدم تسييسها، في حين الواقع والممارسات العملية تقول عكس هذه المواقف، فأعضاء هذا التحالف هم من داسوا على القوانين الدولية وشجعوا على تجاهلها واحتقروا دور جميع المنظمات الدولية، بل وشلوا قدرتها على الحركة والفعل.

 

*ما يحدث في أوكرانيا هو في واقع الأمر، مصيبة للشعبين الروسي والأوكراني، ومن شأن الحرب واستمرارها أن تخلف أضرارا جسيمة للشعبين، وبغض النظر عن الموقف من هذه الحرب ومن الأضرار التي تتسبب فيها للشعبين الشقيقين، والمسؤول عن إشعالها، فإن هذا الحدث بمثابة «الضارة النافعة» بالنسبة إلى الفلسطينيين على سبيل المثال، فالفرصة متاحة أمام القيادة الفلسطينية لإعادة الروح إلى عجلة القاطرة الفلسطينية التي توقفت، رغم استمرار سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» في العبث بالحقوق الفلسطينية نهبا وسلبا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، وبالأخص من دول الحلف الرأسمالي الذي يقود حملته العالمية الواسعة الأوجه ضد روسيا، «دفاعا» عن الحقوق الأوكرانية والقانون الدولي*.

 

*الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تقوم الدنيا، وليس في الأفق المنظور متى ستقعدها، لأن روسيا بدأت عملية عسكرية ضد دولة مستقلة وذات سيادة، أي أوكرانيا، وسلطت هذه الدول آلاتها الإعلامية نحو بعض الأحداث ذات العلاقة بتأثير هذه العملية على المدنيين الأوكرانيين، وصلت إلى حد الفبركة الإعلامية، كما حدث مثلا مع مشهد تصدي الطفلة الفلسطينية عهد التميمي لجندي «إسرائيلي»، حيث قدمت هذه الآلة المقطع المصور على أنه لطفلة أوكرانية تصرخ في وجه جندي روسي، وفي نفس الوقت فإن الدول لم تحرك ساكنا، بل وتدعم الممارسات «الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين وتتجاهل خرق هذه السلطات للقانون الدولي سواء من خلال الاحتلال أو ضم الأراضي العربية.*

*النفاق الأمريكي والأوربي وصل إلى سقف غير مسبوق لدرجة أن الأزهر الشريف الذي لم يول أي اهتمام من قبل بالشؤون الرياضة عبر عن امتعاضه من استغلال الدول الأوروبية للرياضة في حربها الإعلامية والاقتصادية ضد روسيا بعد أن اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» قرارا بحرمان المنتخبات والأندية الروسية من المشاركة في أي مسابقات، ووجه الأزهر سؤالا إلى «فيفا» بعد قراراته ضد روسيا تضامنا مع أوكرانيا، سائلا إياه باستنكار: «هل تعرف فلسطين؟؛ مضيفا: الإنسانية وقت الصراعات لا تتجزأ»، وتابع الأزهر: «لا يجب الكيل بمكيالين»، فلم يكن موقف هذه المؤسسة الدينية المرموقة ليظهر بهذا الوضوح والنقد اللاذع لو لم يطفح الكيل لديها جراء التجاهل السافر من جانب هذا الاتحاد للمأساة الفلسطينية المشتعلة منذ زمن بعيد، تحت شعار «فصل السياسة عن الرياضة».*

*مناخ الحرب الروسية الأوكرانية يوفر الظروف الملائمة للتحرك الفلسطيني والعربي بشكل عام ورفع راية القانون الدولي وحقوق الإنسان في وجه الدول الأوروبية ومواجهتها بمأساة الشعب الفلسطيني، كما تفعل الأخيرة في وجه روسيا الآن.

جريدة اخبار الخليج

التعليقات على خبر: *روسيا وأوكرانيا.. رب ضارة نافعة*

حمل التطبيق الأن